قامت أصوات نساء، ككل دورة برلمانية، بمتابعة عمل مجلس نواب الشعب خلال الدورة البرلمانية الثانية من المدة النيابية الثانية.
تمحورت منهجية العمل الرقابي خلال هاته الدورة البرلمانية حول محورين اثنين. تعلق الأول بمتابعة عمل خمس لجان أنموذج تم اختيارها لارتباطها بتطبيق قرار مجلس الأمن 1325 وهي لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية، لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح، لجنة المالية والتخطيط والتنمية، لجنة شؤون المرأة والاسرة والطفولة والشباب والمسنين ولجنة الامن والدفاع. في حين ارتبط الثاني بمتابعة جميع أعمال مجلس نواب الشعب ذات علاقة بالنوع الاجتماعي.
انتهت الدورة البرلمانية بصدور قرار تجميد عمل البرلمان بتاريخ 25 جويلية 2021، وأصدرت أصوات نساء، بانتهائها، تقريرها حول تقييم عمل مجلس نواب الشعب فيما يتعلق بإدراج مقاربة النوع الاجتماعي أكتوبر 2020 – 24 جويلية 2021.
تعرض التقرير في جزئه الأول إلى تمثيلية النساء داخل هياكل المجلس وفي جزئه الثاني إلى مدى مراعاة النوع الاجتماعي صلب أعمال مجلس نواب الشعب.
أشار التقرير في جزئه الأول إلى ضعف تواجد النساء داخل المجلس وفي مختلف هياكله حيث لم تتجاوز تمثيلية النساء داخله الـ24,9 بالمئة مقابل 36 بالمئة خلال المدة النيابية السابقة و 27 بالمئة خلال فترة عمل المجلس الوطني التأسيسي. انعكس هذا التراجع على مختلف هياكل المجلس فكانت نسبة النساء صلب مكتب المجلس 31 بالمئة. تفسر هاته النسبة غياب ادراج مقاربة النوع الاجتماعي صلب قرارات مكتب مجلس نواب الشعب حيث لم يدرج المجلس ضمن أولوياته تشريع قوانين حامية لحقوق النساء ولا مراقبة تطبيق قوانين تم سنها كالقانون الأساسي عدد 58 المتعلق بالقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة والقانون عدد 51 المتعلق بإحداث صنف نقل جديد للعاملات في القطاع الريفي كما تفسر عدم أخذ مكتب مجلس نواب الشعب لقرارات صارمة بخصوص أحداث العنف التي جدت صلب مجلس نواب الشعب.
بالتوازي مع ضعف تمثيلية النساء داخل مكتب المجلس، كانت تمثيلية النساء صلب اللجان وعلى مستوى مكاتبها ضعيفة هي الأخرى حيث تميزت اللجان بذكورية تركيبتها لتصل نسبة تمثيلية النساء إلى 9 بالمئة فقط في لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية و13 بالمئة صلب لجنة المالية والتخطيط والتنمية و12 بالمئة صلب لجنة شهداء الثورة وجرحاها وتنفيذ قانون العفو العام والعدالة الانتقالية.
انعكست هاته النسب أيضا على مستوى مكاتب اللجان حيث لم تتجاوز تمثيلية النساء في مكاتب اللجان ال 31 بالمئة مقابل 63 بالمئة بالنسبة للرجال. كما شهدت تركيبة مكاتب 3 لجان غيابا تاما للنساء داخلها وهي لجنة المالية والتخطيط والتنمية، لجنة النظام الداخلي والحصانة والقوانين البرلمانية والقوانين الانتخابية ولجنة الأمن والدفاع.
في المقابل مثلت لجنة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والشباب والمسنين الاستثناء على مستوى تمثيلية النساء داخلها حيث احتوت تركيبتها على 15 نائبة بمعدل 62 بالمئة من النساء واحتوى مكتبها على تركيبة ذات طابع نسائي بوجود نائب فقط في مكتب اللجنة عند افتتاح الدورة البرلمانية. عكست هاته التركيبة الفكرة الاجتماعية السائدة والقائمة على ربط شؤون المرأة والأسرة والطفولة والشباب والمسنين بالنساء وهو ما يعتبر مواصلة مجلس نواب الشعب العمل بالقوالب النمطية التي تحصر عضوية النساء في اللجان التي تعنى بمجالات تعتبر امتدادا لأدوارهن التقليدية وتغييبهن عندما يتعلق الأمر بالشؤون المالية أو بالتنمية أو بالأمن والدفاع. ولعل تواصل وجود هذا التفاوت على مستوى تمثيلية النساء بين لجنة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والشباب والمسنين وبقية اللجان هو خير دليل على تغييب السلطة التشريعية لمقاربة النوع الاجتماعي صلب مؤسستها وعدم ايلائها الأهمية اللازمة على مدار سنوات مضت.
تعرض الجزء الثاني من التقرير إلى مدى مراعاة النوع الاجتماعي صلب أعمال مجلس نواب الشعب وبين هناته سواء فيما يتعلق بدوره التشريعي أو الرقابي. تابعت أصوات نساء في هذا الإطار عمل بعض اللجان التشريعية وهي لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية، لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح، لجنة المالية والتخطيط والتنمية واقتصرت متابعة لجنة الشباب والشؤون الثقافية والتربية والبحث العلمي على متابعة نظر اللجنة في مشروع القانون المتعلق بتنظيم العمل المنزلي.
أفضت متابعة عمل هاته اللجان إلى الإقرار بضعف ومناسبتية تعرض مجلس نواب الشعب إلى مسائل تتعلق بالنوع الاجتماعي وبغياب إدراج هاته المقاربة صلب أعماله. ففي حين اكتفت لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية بعقد جلسة وحيدة تعلقت بمناقشة مهمة وزارة المرأة والأسرة وكبار السن من مشروع الميزانية لسنة 2021، لم يكن عقدها قائما على وعي النواب والنائبات بأهمية المسائل المتعلقة بالنوع الاجتماعي وإنما نتاج قرار مكتب مجلس نواب الشعب بتوزيع المهمات على مختلف اللجان التشريعية للنظر فيها، نظرت لجنة تنظيم الإدارة تبعا لنفس الاجراء في مقترح قانون عطلة الأمومة وعقدت بمقترح من إحدى نائبات اللجنة، جلسة حول الوحدات المختصة في مجال مناهضة العنف ضد المرأة.
بالتوازي مع هذا الرصيد السلبي لكل من اللجنتين المذكورتين، اتسم عمل لجنة المالية بالغياب التام للنوع الاجتماعي على مستوى جدول أعمالها واقتصارها على مشاريع قوانين ذات علاقة بالاتفاقيات الدولية ذات علاقة بالتزامات تونس المالية أو غيرها من مشاريع القوانين التي غابت عنها مقاربة النوع الاجتماعي.
من الناحية التشريعية إذن لم ينجح مجلس نواب الشعب خلال الدورة البرلمانية الثانية من المدة النيابية الثانية سوى في النظر، إلى جانب مهمة المرأة والأسرة وكبار السن، في مشروع القانون المتعلق بتنظيم العمل المنزلي الذي أحاله مكتب المجلس على أنظار لجنة الشباب والشؤون الثقافية والتربية والبحث العلمي لتنظر فيه على مرحلتين بعد أن تم التصويت في الجلسة العامة على إرجاعه إليها لمزيد النظر فيه. تميز العمل التشريعي لمجلس نواب الشعب لا فقط بمحدودية مشاريع القوانين ذات علاقة بالنوع الاجتماعي وإنما بسوء تنظيم وتسيير الجلسات العامة المخصصة للنظر فيها والذي وإن كان أمرا مرتبطا بأغلب الجلسات فإن جلسات النظر في مهمة وزارة المرأة والأسرة وكبار السن ومشروع القانون المتعلق بتنظيم العمل المنزلي شهدت ممارسة النواب للعنف اللفظي والمادي ما أكد غياب احترام حقوق النساء لا فقط من قبل السلطة التشريعية وحتى التنفيذية.
لم يختلف الوضع بالنسبة للعمل الرقابي لمجلس نواب الشعب حيث تابعت أصوات نساء عمل كل من اللجنة الرقابية الخاصة بشؤون المرأة والأسرة والطفولة والشباب والمسنين واللجنة الرقابية الخاصة بالأمن والدفاع بالإضافة إلى جلسات الأسئلة الشفاهية وجلسات الحوار.
واجه عمل لجنة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والشباب والمسنين العديد من العراقيل تمحورت حول عدم وضوح جدول اعمال اللجنة وعدم احترام اللجنة للأولويات التي تم تحديدها في بداية الدورة البرلمانية بالإضافة إلى عدم اجتماع مكتب اللجنة والغياب المتكرر للنواب. وبوجود هاته العراقيل لم تتمكن اللجنة سوى من عقد 13 اجتماعا تم تفصيلها صلب التقرير.
لم يكن ضعف المردود الرقابي لمجلس نواب الشعب المتعلق بإدراج مقاربة النوع الاجتماعي أمرا مرتبطا بلجنة شؤون المرأة والأسرة والطفولة والشباب والمسنين فقط رغم تحمل هاته الأخيرة المسؤولية الأكبر لارتباط مجال عملها بمقاربة النوع الاجتماعي بصفة مباشرة. فمن جهتها لم تعقد لجنة الأمن والدفاع سوى 16 جلسة ولم تتعرض صلب جدول أعمالها إلى مقاربة النوع الاجتماعي بصفة مباشرة واكتفى النواب بالإشارة إلى العنف المسلط على النساء وإلى حقوق النساء في جلسات عمل ارتبطت بالنظر في مسألة تفشي ظاهرة الجريمة أو بالإرهاب أو بشرطة الجوار.
تواصل تجاهل وغياب مقاربة النوع الاجتماعي على مستوى الجلسات العامة الرقابية أيضا، حيث راقبت أصوات نساء عمل هاته الجلسات على أمل الدفع لتطبيق القانون عدد 51 المتعلق بإحداث صنف نقل جديد للعاملات في القطاع الفلاحي والقانون عدد 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء إلا أن الحصيلة كانت كارثية حيث لم يطرح الـ 217 نائبا سوى سؤال وحيد خلال جلسات الأسئلة الشفاهية تعلق بتطبيق القانون عدد 51 المتعلق بإحداث صنف نقل جديد للعاملين والعاملات في القطاع الفلاحي وسؤال وحيد آخر تعلق بمشروع قانون عطلة الأمومة.
كذلك لم يعقد مجلس نواب الشعب أية جلسة حوار مع وزيرة المرأة والأسرة وكبار السن وذلك بالرغم من تعدد وتكرر حالات العنف داخل قبة البرلمان وخارجها.
مرة أخرى برهن النواب وبرهنت الأحزاب السياسية التي كونت مجلس نواب الشعب، أن قضايا النساء لا تتجاوز، بالنسبة إليهم، الحملات الانتخابية ومنابر الوعود الزائفة.
لتجاوز هذه النقائص قدمت أصوات نساء في خاتمة تقريرها مجموعة من التوصيات نذكر منها:
– تنقيح القانون الانتخابي بإدراج مبدأ التناصف الأفقي في الانتخابات التشريعية لضمان تمثيلية أكبر للنساء داخل البرلمان
– اعتماد تدابير خاصة مؤقتة لدعم مشاركة النساء في المناصب القيادية كرئاسة المجلس وعضوية مكتبه ورئاسة اللجان وعضويتها
– اعتماد التناوب على مستوى مكاتب اللجان ورئاساتها
– مأسسة مجموعة النساء البرلمانيات، مع ضبط تركيبتها وصلاحياتها
– تكوين لجنة تتولى تلقي شكايات النائبات والنواب من ضحايا العنف والتحرش داخل المجلس ومعالجتها
– فرض نسب تمثيلية معينة داخل اللجان تضمن مشاركة النساء في جميع المجالات بالاعتماد على عدد النساء داخل المجلس في مفتتح كل دورة برلمانية
– إرساء سياسة عمل مراعية للنوع الاجتماعي داخل مجلس نواب الشعب ونشرها في كل هياكله