حقوق النساء 5 سنين بعد الدستور
إن نضال الحركات النسوية لتمكين النساء التونسيات من حقوقهن الاجتماعية والاقتصادية يتعدى أيام الاحتفالات ، لذلك ولئن كان يوم 13 أوت رمزا لكل الإنجازات التي حققتها الدولة التونسية فيما يخص المساواة بين النساء والرجال وتعزيز حقوقهن فإنه من الواجب أيضا تشخيص بشكل أدق لما تم إنجازه في الفترة الأخيرة وتحديدا بعد المصادقة على دستور 2014. اذ أن هذا الأخير قد فرض المساواة بين المواطنون والمواطنات في الحقوق والواجبات منها تكافئ الفرص في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل وضمن أيضا تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة. ووضع الدستور على عاتق الدولة واجب حماية الحقوق المكتسبة للنساء، و دعمهم وتطويرهم. و جعلها ضامنة لتكافؤ الفرص في تحمّل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات وساعية إلى تحقيق التناصف بين النساء والرجال في المجالس المنتخبة وعاملة على القضاء على العنف ضد النساء
من أجل ذلك و خلال الخمس سنوات الماضية سعت الدولة إلى تحقيق البعض من هذه الالتزامات وذلك من خلال إحداث برنامج مساواة بالشراكة مع الإتحاد الأوروبي الذي ضم جملة من الأهداف أهمها تحقيق المساواة بين النساء والرجال و ذلك عبر إدراج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العامة. على اثره قامت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن بوضع خطة عمل لمأسسة النوع الاجتماعي في 2018. وتعتبر هذه الخطة تعهداً من أعضاء الحكومة من أجل ادماج مقاربة النوع الاجتماعي في التخطيط والبرمجة والميزانيات للقضاء على جميع أشكال التمييز وتحقيق المساواة في التنمية والحقوق والواجبات بين المواطنين والمواطنات في غضون 2020
وكان من جملة الأهداف الموضوعة العمل على تكريس منظومة مساءلة تعمل على القضاء على أشكال التمييز والعنف ضد النساء في التشريعات وفي الممارسات ، اولا بتركيز منظومة قانونية مطابقة لمضامين الدستور والإتفاقيات الدولية الملزمة للدولة التونسية وقد كان في المصادقة على القانون الأساسي عد 58 لسنة 2017 المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء مثال على التقدم الذي شهدته المنظومة التشريعية في تونس فيما يخص مجابهة العنف المسلط على النساء ووضع اليات فعالة للتصدي له. إلا أن هذا القانون لم يخلو من بعض النقائص إذ أنه لم يأخذ بعين الاعتبار حاجيات النساء ذوات الإعاقة ولم يفصل بصفة قطعية تجريم العنف الزوجي وتغاضى عن تجريم العنف القائم على أساس النوع الإجتماعي. إضافة إلى ذلك وبعد سنتين من المصادقة عليه مازالت الكثير من الآليات التي وضعها قانون مناهضة العنف ضد النساء حبرا على ورق منها المرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة الذي سيعنى بالبحث وتسجيل حالات العنف لتكون بذلك قاعدة بيانات رسمية تكون منطلق للعمل الحكومي القادم و منها أيضا مراكز الإيواء والإنصات التي لم يحدث منها أي مركز منذ دخول القانون حيز النفاذ اضافة إلى عدم تعميم الفرق الخاصة في البحث في جرائم العنف ضد النساء على كامل تراب الجمهورية وذلك للنقص المالي و البشري الذي يعاني منه تطبيق هذا القانون
ثانيا لتركيز منظومة المساءلة قامت الدولة بوضع إطار مؤسساتي فعال يتمثل من جهة في إحداث مجلس النظراء و من جهة أخرى في تعزيز عمل مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة الذي يهتم بإعداد نظام معلومات ونشر المعطيات وبذلك ليشمل اليوم تعزيز قدرات أعضاء مجلس النظراء و تنظيم دورات تكوينية حول منهجية ادماج مقاربة النوع الإجتماعي في التعاطي مع الإحصائيات. إلا أنه وإلى اليوم لم يصدر أي تقرير عن مجلس النظراء وهو مطالب بإصدار تقارير دورية للمتابعة والتقييم وإعداد دليل مرجعي لوضع الخطط السنوية القطاعية لإدراج مقاربة النوع الإجتماعي في السياسات العامة ولم يقع الى اليوم تعيين مكلفين بالنوع الإجتماعي في أي وزارة حتى يتسنى لمجلس النظراء تكوين استراتيجيات دقيقة وحقيقية فيما يخص إدراج مقاربة النوع الإجتماعي في عمل الوزارات حسب تخصصها وقطاع عملها. اضافة الى ذلك لم يقع تشريك أو إعلام المجتمع المدني بعمل مركز البحوث فيما يخص إدراج معطى النوع الإجتماعي في العمل الإحصائي هذا الى جانبانعدام الشفافية في التعامل مع مطالب النفاذ للمعلومة الذي يبقى الى اليوم المصدر الوحيد فيما يخص معرفة عدد حالة العنف أو أنواع العنف . وتبقى الإحصائيات المقدمة للعموم غير واضحة من جهة وغير محينة من جهة أخرى
إلى جانب هذا فقد تعهدت الدولة من خلال خطة العمل المصادق عليها في إطار برنامج مساواة إلى الرفع من تمثيلية النساء ومشاركتهن الفعلية في الهيئات والمجالس المنتخبة والهياكل الحكومية ومواقع صنع القرار عل المستوى الوطني والجهوي والمحلي ، وذلك عبر إحداث لجنة متعددة القطاعات تكفل إعداد مشاريع النصوص القانونية وإعداد مناصرة للمصادقة على الإصلاحات وتحصيل نسبة لا تقل عن 30% من تمثيلية النساء في الهيئات و المجالس المنتخبة ومواقع أخذ القرار . إلا أننا نشهد في الأربع سنوات الفارطة انخفاض في نسب تمثيلية النساء في مناصب أخذ القرار لتصل تسمية النساء في المناصب العليا سنة 2018 إلى أقل من 15% من جملة التسميات . فوفقا لدراسة قامة بها أصوات نساء فإن نسبة تعيين النساء في الحكومة لم تتعدى 12% من جملة التسميات في الفترة 2014-2018 وفي نفس الفترة كانت تعيينات النساء في رئاسة الجمهورية 14% مقابل 36% في مختلف الهيئات المحدثة منذ 2014 . ويعود إرتفاع نسبة تمثيلية النساء في الهيئات إلى إحترام البعض منها لمبدأ التناصف. المبدأ الذي حاربت من أجله العديد من مكونات المجتمع المدني حتى لاقى مكانة في القانون الانتخابي ليكون بذلك قاعدة للترشحات على كل الأحزاب إحترامها. هذا وإن كان العمل على تكريس مبدأ التناصف الأفقي مازال قائما
أما فيما يخص تعهد الدولة بوضع سياسات عمومية ومخططات تنموية وميزانيات تعتمد مقاربة النوع الإجتماعي فلعل المصادقة على القانون الأساسي للميزانية سنة 2019 الذي صرح في فصله 18 على أن يؤخذ بعين الإعتبار في إعداد وتقسيم وتقييم تنفيذ الميزانية المساواة بين النساء الرجال وكافة فئات المجتمع دون تمييز
وإن كان القانون الأساسي للميزانية مناسبة هامة للرفع من مفهوم النوع الإجتماعي من المرتبة التنفيذية حيث نجده في الأمر الحكومي عدد 626 المحدث لمجلس النظراء إلى المرتبة التشريعية إلا أنه وعلى غرار قانون مناهضة العنف ضد النساء وقانون الجماعات المحلية لم يحظى هذا المفهوم بالدعم اللازم من قبل نواب الشعب. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى دور الحكومة عامة ووزارة المرأة خاصة في بعث وتنظيم دورات تكوينية وتوعوية للجميع للبحث والتعمق في مفهوم النوع الاجتماعي الذي ينبني عليه إستراتيجية الحكومة في الخمس سنوات لتحقيق المساواة المنشودة
أخيرا وللقطع مع سياسات التهميش التي تكون ضحيتها عادة النساء من عاملات في القطاع الفلاحي أو نساء قابعات في المنازل أو عاملات في مختلف المصانع الصغرى . عملت الدولة على وضع سياسات تضمن التمكين الاقتصادي والمالي للنساء والحق في العمل اللائق والأجر العادل. و ذلك من خلال وضع اليات تدعم نفاذ وتحكم النساء في الموارد الاقتصادية و المالية و تشجع على المبادرة الخاصة. بذلك تندرج المصادقة على تعديل قانون تنظيم النقل البري ليشمل صنف جديد خاص بنقل العملة الفلاحين تحولاً هاما للحفاظ على سلامة العملة و على كرامتهم أيضا . إلا أنه وكجل القوانين المصادق عليها في هذه الفترة النيابية يشكو من غياب الإرادة السياسية في التنفيذ العاجل إذ أنه وإلى اليوم لازلنا نستيقظ على فاجعة الحوادث التي تؤدي بأرواح العديد من الكادحات في الوسط الفلاحي
خلاصة القول، وإن كانت المبادرة الحكومية في بعث برنامج مساواة وما يتخلله من أهداف واستراتيجيات خطوة جسورة نحو تحقيق المساواة الفعلية بين كافة فئات المجتمع قائمة على إدراج حقيقي لمقاربة النوع الاجتماعي ، فإن غياب الإرادة السياسية في تفعيل بعض الالتزامات ودعمها بالموارد المالية والبشرية اللازمة وعدم تشريك حقيقي للمجتمع المدني وغياب كلي لدور القطاع الإعلامي لتوعية المجتمع يجعل من هذه البرامج بما فيها من تقدم حبر على ورق أو حقيقة من سراب نتشبث بها إلى أن نستيقظ على عدد مفزع من حالات العنف المسلط على النساء أو حادث مرور أليم لعربة محملة بالعاملات الفلاحات