تحتفل تونس كسائر بلدان العالم اليوم 25 نوفمبر 2021 باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء.
و لئن تعد هاته المناسبة حدثا تستغله الدول لتعديد الإنجازات المتخذة في هذا المجال فانها تمثل كذلك فرصة للتذكير بأهم النواقص و المعيقات التي تحول دون وضع حد لهاته الظاهرة.
و في هذا السياق, يهم أصوات نساء أن تذكر بأن منسوب العنف المسلط على النساء التونسيات و المهاجرات المتواجدات على التراب التونسي ما انفك يتصاعد بل و يمعن في الفظاعة و الوحشية, و ذلك في ظل تواطئ مشين من هياكل الدولة ترجم عبر صمتها إزاء هاته الظاهرة.
ذلك أن الأرقام التي انبثقت عن مختلف الدراسات الأخيرة تكتسي من الخطورة ما يثبت أن مجرد سن قانون لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي لا يكفي للقضاء على هذا الاشكال. اذ أكدت وزارة المرأة والأسرة و الطفولة و كبار السن أن الخط الأخضر للتبليغ عن حالات العنف المسلط على النساء يتلقى سنويا أكثر من 15 ألف مكالمة سنويا تعلقت 75% منها بعنف مسلط من الزوج على الزوجة.
و من جهة أخرى فقد تعهدت المندوبيات الجهوية لوزارة المرأة بحوالي 3000 امرأة ضحية عنف خلال سنة 2020, أما الوحدات المختصة بمناهضة العنف ضد المرأة التابعة لوزارة الداخلية فقد تعهدت ب41668 قضية عنف منها 6842 قضية تخص العنف ضد الأطفال. و عليه و بناء على هاته الأرقام و غيرها, نجد أن العدد الجملي للنساء والفتيات ضحايا العنف يقدر بـ38289 ضحية مقابل 3379 قضية في صفوف الأطفال من جنس الذكور أي بنسبة قدرت بـ 91.89 % بالنسبة للنساء والفتيات وبنسبة 8.11 % للأطفال الذكور و ذلك استنادا الى المعطيات الأخيرة المتوفرة في التقرير السنوي الثالث لمناهضة العنف ضد المرأة و الذي أعدته وزارة المرأة سنة 2020.
هذا الارتفاع المفزع في عدد النساء ضحايا العنف قابله مع الأسف انحدار في عدد مراكز الايواء المخصصة لهن, ذلك أن عدد هاته المراكز لا يتجاوز الستة (6) مع طاقة استيعاب محدودة جدا و ذلك بالرغم من الاتفاقيات و الشراكات العديدة التي أمضتها الدولة التونسية مع مختلف الأطراف لتعزيز عدد المراكز و اخرها برنامج « مساواة » الممضى بدعم من الاتحاد الأوروبي, هو ما من شأنه تعزيز حرمان النساء المعنفات و الأطفال المرافقين لهن من مأوى قار و امن يضمن لهن حياة كريمة.
من جهة ثانية, فان العنف الاقتصادي ضد النساء ما انفك يتصاعد خاصة لدى العاملات في القطاع الفلاحي اذ نلاحظ و بكل امتعاض تواصل ارتفاع عدد الحوادث التي راحت ضحيتها النساء العاملات في المجال الفلاحي و استمرار تردي وضعيتهن الاقتصادية و هشاشتهن. اذ حصدت شاحنات الموت أرواح ما يزيد عن 45 امرأة بين سنتي 2015 و 2020 الى اليوم و خلفت 197 جريحة, و هي أرقام مفزعة لعنف اقتصادي و اجتماعي شديد مسلط على هاته الفئة من النساء و لا يمكن أن تدل الا على فشل المنظومة القانونية وحدها عن وضع حد لمأساة الكادحات اليومية, علاوة عن الهشاشة الاقتصادية و الاجتماعية التي تعشن في ظلها.
و حيث و بناء على ما سبق, نجد أن الجمهورية التونسية تحتل المراتب الأخيرة في العالم من حيث ضمان المساواة الفعالة للنساء و تكافئ الفرص بين الجنسين و ضمان أمن و سلامة التونسيات, و هو ما تؤكده الاحصائيات العالمية الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي سنة 2021 و التي تؤكد حصول تونس على المرتبة 126 من جملة 156 دولة شملتها الدراسة, و هو أمر لا يمكن الا أن :
• يثير استنكارنا تجاه هاته الوضعية المخزية للدولة التونسية في مجال المساواة و مناهضة العنف ضد النساء.
• يدفعنا الى التصريح بأن قضايا التونسيات من مناهضة للعنف و ضمان بحقوقهن في الولوج الى العدالة هي من أوكد الأولويات التي على الحكومة الجديدة تبنيها و العمل عليها.
• يجعلنا نطالب برصد الميزانيات الكفيلة لتطبيق القانون عدد 58 لسنة 2017 لدى جميع الهياكل المتداخلة.
• يجعلنا نطالب بتدخل الحكومة العاجل من أجل توفير الإمكانيات القانونية و اللوجستية و البشرية اللازمة لتفعيل القوانين الحمائية للنساء على غرار القانون عدد 58 لسنة 2017 و القانون عدد 51 لسنة 2019 و سن قوانين أخرى من شأنها النهوض بوضعية التونسيين و التونسيات و كافة فئات المجتمع لتوفير مقومات العيش الكريم و الحرية و المساواة لهم و لهن.
• يجدد دعوتنا لهياكل الدولة التونسية لتشريك منظمات المجتمع المدني الناشطة في هاته المجالات للاستفادة من خبرات كافة التونسيين والتونسيات بغية وضع سياسات عمومية تستجيب لحاجيات كافة فئات المجتمع.
• يكرس دعمنا و تضامننا و مساندتنا المطلقين للناجيات من العنف و لكافة النساء التونسيات و الأجنبيات المقيمات في تونس ضحايا التهميش و الاقصاء في كافة ربوع الجمهورية التونسية وتدعو الدولة التونسية الى معاضدة مجهودات منظمات المجتمع المدني في احاطتهن وحمايتهن و تشريكهن في بناء دولة حديثة ضامنة للمساواة و لكافة الحقوق الإنسانية.
عاشت تونس جمهورية حرة مستقلة.